الحمد لله رب العالمين ..
شكر الله لك حسن أدبك وأثابك عليه خيرًا بالهداية والرشد ..
قالت الفاضلة : ( لماذا يصلي المسلم؟ )
بخلاف أنه مأمور بها ، فهى صلة بين العبد وربه ، وهى جنة المؤمن ـ إذا أقامها ـ فى الدنيا قبل جنة الآخرة .
قالت : ( فكيف يطلب/يدعو الإنسان الله فيستجاب له؟ أليست كل تفاصيل حياة الإنسان مكتوبة و يعلمها الله من قبل أن يكون الفرد جنيناً في رحم أمه؟ فكيف للإنسان إذا ما طلب شيئاً أن يستجاب له؟ )
بالطبع يعلم الله ما كان وما سيكون ، وقد علم الله أن هذا الإنسان سيطلب منه فيجاب مطلبه أو يرفض ، فالكل داخل فى علم الله ومقدوره .
قالت : ( فلو قلنا أن "س" من الناس ما انفك يدعو الله أن يشفي أباه من علةٍ بعد يأس الأطباء من شفائه، ثم كانت مشيئته أن شفى أبا "س"، فهل هذا يعني أن الله ما كان ليشفي هذا الشخص لو لم يصل "س" طالباً شفاء أبيه؟ أم أن الله كان سيشفي أبا "س" سواء صلى "س" أو لم يفعل لأن الشفاء بعد يأس الأطباء كان مكتوبا له ؟ )
قد يكون الدعاء سببًا فى الشفاء ، وقد لا يكون .. فقد يقدر الله شفاء المريض استجابة لدعائه ، وقد يقدره لغير ذلك ، فقد يشفى الله مريضًا ولو لم يدعُ بذلك أحد .. والله يفعل ما يشاء ويختار .
لو شفى الله مريضًا بعد دعاء ابنه ، فقد يكون ذلك استجابة لدعاء الابن ، وقد لا يكون .. إذ ليس كل الدعاء بمستجاب ، وهناك موانع للدعاء ، والمرء الذى مطعمه ومشربه من حرام أنى يستجاب له ؟! .. فقد يكون الابن الداعى غير مستجاب الدعوة ، لكن مع ذلك يشاء الله شفاء الأب ، لا استجابة لدعاء الابن المحروم ، ولكن لحكم أخرى عنده سبحانه وتعالى .
وموطن الخلل فى سؤالك ـ معذرة ـ هو أنك أخرجت دعاء الابن خارج القصة !
فأنت تتساءلين : هل كان الله قد أراد سلفــًا شفاء المريض ولو لم يدع الابن أم لا ؟ .. وكأن الله ـ فى سؤالك ـ لم يكن يعلم بعد : هل سيدعو الابن أم لا !
والحق أن الله علم وقدر سلفــًا كل شىء : مرض الأب ، وعجز الأطباء ، ودعاء الابن ، واستجابة الدعاء أو بالأدق شفاء الأب .. ليس واحد من هذه كلها خارج عن علم الله ولا تقديره وفعله .
قالت الفاضلة : ( في الاحتمال الأول إشارة إلى أن الله قد غير رأيه بسبب صلاة "س" فشفى مريضاً كان قد سمح باعتلاله، و ربما موته على المرض، لمجرد أن ابنه قد دعا له بالشفاء، و هذا يتنافى مع ما يعلم البشر عن طبيعة الله و لا يتوائم مع العلم المطلق للمستقبل الذي يتصف به إله الكون )
لا تغيير ثمة ولا تحويل .. وقبل التعليق على هذا الاحتمال ، يلزمنا الجزم هنا بأن الله شفى الأب استجابة لدعاء الابن ، حتى يستقيم سؤالك أو احتمالك ، مع ملاحظة ما بيناه سابقــًا من أن الله قد يشفى الأب استجابة لدعاء الابن وقد يشفيه لغير ذلك ..
الله الذى قدر مرض الأب هو الذى علق شفاء الأب على دعاء ابنه ، وهو الذى قدر دعاء الابن ، وقدر استجابته له .. فالكل داخل فى علم الله وتقديره وفعله .
وبعبارة أخرى : موطن الخطأ فى احتمالك الأول ، هو إخراج ( علم الله بصلاة الابن سلفـًا ) من القصة .. فكأن الله ـ فى احتمالك ـ قدر مرض الأب ، ولم يكن يعمل حسابًا لدعاء الابن ، فلما جاءه ما لم يتوقع (اضطر) للاستجابة كما وعد ! .. حاشا لله وكلا .. فالله العليم الذى علم وقدر مرض الأب سلفـًا ، هو نفسه الذى علم وقدر شفاءه سلفـًا ، وهو نفسه الذى علم وقدر دعاء الابن بالشفاء قبل ذلك سلفـًا ، وهو نفسه الذى علم وقدر استجابته للدعاء بشفاء الأب سلفـًا .
قالت : ( أما الاحتمال الثاني أعلاه، فهو يحمل إشارة إلى أن صلاة "س" لم يكن لها معنى، إذ أن الله كان قد قرر شفاء هذا الشخص منذ ولادته و دون الحاجة إلى صلاة ابنه )
موطن الخطأ فى هذا الاحتمال ، هو احتمالك بأن الله قد قرر شفاء هذا الشخص دون الحاجة إلى صلاة الابن ، وليس الأمر كذلك .. وإنما الذى كان فى تقدير الله هو تعليق شفاء الأب على دعاء الابن ، وليس شفاء الأب مجردًا دون سبب ، فالله قد يرتب سببًا على سبب ، ويعلق حدوث أمور على أمور ..
ثم هناك الخطأ المعتاد ، وهو إخراجك لـ ( صلاة الابن ) خارج القصة .. فكأن الله قدر الشفاء سلفـًا ، دون أن يدخل صلاة الابن فى حسبانه .. حاشا لله وكلا .. وإنما علم الله سلفــًا هل سيدعو الابن أم لا ، وهو الذى قدر الدعاء فى حال صدوره من الابن ، وهو الذى قدر سبحانه كيفية الاستجابة بالشفاء أو غيره .. الكل معلوم ومقدر سلفـًا فى علم الله وقدره ، وليس شىء من ذلك كله خارج عن علمه وقدرته وفعله سبحانه .
قالت الفاضلة : ( هل يا ترى غاب عن ذهني احتمال ثالث يفسر مفعول الصلاة بمنطق أسلم مما انتهيت إليه ؟ )
بالطبع غاب ! .. غاب عنك احتمال أن يكون الكل سبق فى علم الله وقدره وفعله .. الله هو الذى قدر مرض الأب ، ودعاء الابن ، وشفاء الأب : إما استجابة لدعاء ابنه ، وإما لحكمة أخرى .. والله يفعل ما يشاء ويختار .
قالت : ( ثانياً: الدعاء للميت... نتيجة هذا الدعاء ... هل يغير الله رأيه وحكمه ؟ )
نفس ما قلناه سابقـًا يقال هنا .. قد يرحم الله الميت لسبب آخر غير دعاء من دعا ، وقد يرحمه استجابة لدعاء الداعى .. وسنقدر هنا أن الله رحم الميت استجابة للدعاء ، حتى يستقيم احتمالك ..
فالله عندما رحم الميت استجابة لدعاء الداعى ، كان قد قدر سلفـًا سبحانه ذلك كله ، أى أنه لم يكن قد قدر رحمة الميت فقط منقطعة عن الدعاء ، وإنما سبحانه كان قد قدر الرحمة والدعاء معًا ، معلقــًا الرحمة على الدعاء ، ومقدرًا استجابته سبحانه للدعاء برحمة الميت .
وموطن الخلل فى السؤال هنا ، هو هو فى كل ما سبق .. تجعلين كل شىء داخل فى علم الله وقدره ، لكنك تخرجين الدعاء خارج الموضوع والقصة .. بل الدعاء داخل فى ذلك ، فالدعاء سبب ، مثله بالضبط مثل الدواء الذى يأخذه المريض ليشفى ، فقد يشفى الله المريض لأنه أخذ الدواء ، وهذا من سنن الله التى وضعها للبشر ، وقد يشفى الله المريض ـ الذى أخذ الدواء ـ لسبب آخر .. فالله يفعل ما يشاء ويختار .
إذا كان الأمر كذلك ، فكيف نجزم بهذا أو ذاك ؟
لن أدخل بك فى تفصيلات وترجيحات وعلامات وأمارات .. لأن الأمر أهون من ذلك بكثير .. كل ما علينا هو الالتزام بما شرعه الله ، وليس لنا التدخل فى قدر الله .. وبعبارة أخرى : فالذى يعنينى أننى عندما سأمرض ـ عافاك الله ـ سأتناول الدواء استجابة لأمر الله على لسان المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وسأطلب الشفاء من ربى ورب المرض والدواء والأطباء ، لأنه هو الذى أمرنا بذلك .. أما مسألة هل سيقدر الله لى الشفاء ؟ ومتى سيقدره ؟ فليس ذلك لى ، وإنما هو لله .. هو سبحانه يفعل ما يشاء ويختار .. والله فعال لما يريد .. سبحانه وتعالى وعز وجل .
أرجو أن تكون عبارتى القاصرة قد نجحت فى توصيل بعض الفهم إليك .
هدانا الله وإياك إلى صراطه المستقيم .